مدونة والسلام

السبت، 18 أكتوبر 2008

مقامة لبديع الزمان الهمزانى

حدثنا عيسى بن هشام قال : اشتهيت الأزاد وأنا ببغداد , وليس معي عقد على نقد





فخرجت أنتهز محاله , حتى أحلني الكرخ . فإذا انا بسوادي يسوق بالجهد حماره





ويطرف بالعقد إزاره .






فقلت : ( ظفرنا - والله بصيد وحياك الله أبا زيد . من أين أقبلت؟ وأين نزلت؟ ومتى





وافيت؟ وهلم إلى البيت ).






فقال السوادي : ( لست بأبي زيد لكني أبو عبيد)






فقلت : ( نعم لعن الله الشيطان , وأبعد النسيان , أنسانيك طول العهد , واتصال البعد ,





فكيف حال أبيك؟ أشاب كعهدي , أم شاب بعدي؟ ).






فقال : ( قد نبت الربيع على دمنته , وأرجو ان يصيره الله إلى جنته )








فقلت : ( إنا لله وإنا إليه راجعون , ولا حول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ) . ومددت يد





البدار إلى الصدار أريد تمزيقه , فقبض السوادي على خصري يجمعه وقال : ( نشدتك الله





لا مزقته )






فقلت : ( هلم إلى البيت نصيب غداء أو إلى السوق نشتر شواء . والسوق أقرب .





وطعامه أطيب ) .فاستفزته حمة القرم , وعطفته عاطفة اللقم , وطمع ولم يعلم أنه





وقع .ثم أتينا شواء يتقاطر شواؤه عرقًا وتتسايل جوذاباته مرقا ,






فقلت : افرز لأبي زيد من هذا الشواء , ثم زن له من تلك الأطباق وانضد عليها أوراق





الرقاق , ورش عليه شيئًا من ماء السماق , ليأكله أبو زيد هنيئًا , فانحنى الشواء





بساطوره على زبدة تنوره , فجعلها كالكحل سحقًا وكالطحن دقًا






ثم جلس وجلست , ولا نبس ولا نبست , حتى استوفيناه .






وقلت لصاحب الحلوى : ( زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين , فهو أجرى في الحلوق ,





وأمضى في العروق . وليكن ليلى العمر , يومي النشر رقيق القشر , كثيف الحشو ,





لؤلؤي الدهن , كوكبي اللون , يذوب كالصمغ قبل المضغ , ليأكله أبو زيد هنيئًا )






.فوزنه





, ثم قعد وقعدت , وجرد وجردت حتى استوفيناه






ثم قلت : ( يا أبا زيد ما أحوجنا إلى ماء يشعشع بالثلج , ليقمع هذه الصاره ويفثأ هذه





اللقم الحاره . اجلس يا ابا زيد حتى نأتيك بسقاء , يأتيك بشربة ماء) .ثم خرجت





وجلست حيث أراه ولا يراني , أنظر مايصنع ,






فلما أبطأت عليه قام السوادي إلى حماره , فاعتلق الشواء بإزاره






وقال : ( أين ثمن ما أكلت؟ )






فقال: ( أكلته ضيفًا ).فلكمه لكمة , وثنى عليه بلطمه ,






ثم قال الشواء : هاك ومتى دعوناك؟ زن يا أخى القحة عشرين فجعل السوادي يبكي





ويحل عقده بأسنانه ,






ويقول: ( كم قلت لذاك القريد أنا أبو عبيد , وهو يقول انت ابو زيد ).